قبل أشهر قليلة من نهاية الموسم الرياضي لكرة القدم في تونس، اصطدمت أحلام أنصار أحد الفرق شمال شرق البلاد، بقرار إدارة النادي تعليق نشاطه نتيجة انعدام الموارد المالية وهجرة غير نظامية جماعية للاعبيه.

قرار صادم لم يجد له مسؤولو فريق “غار الدماء” بديلا، بعد أن افتقد النادي أكثر من 30 لاعبا من أبنائه اختاروا البحث عن مستقبل أفضل بالإبحار سرا نحو شمال حوض البحر الأبيض المتوسط، وترك الفريق دون لاعبين في ظرف زمني قصير.

وينشط الفريق المنتمي إلى الدرجة الرابعة (هُواة)، بمدينة “غار الدماء” بمحافظة جندوبة (شمال شرق) المتاخمة للحدود الجزائرية، ويقطنها نحو 20 ألف نسمة وتعتمد على الزراعة وتفتقر إلى مشاريع التنمية وفرص العمل.

نحو 150 لاعبا هاجروا منذ 2011

وقال رئيس “جمعية غار الدماء” جميل المفتاحي إن “تراكمات السنوات الماضية بغياب الموارد المالية وعدم قدرة النادي على توفير الحد الأدنى من المنح للاعبيه، وتفاقم المصاريف وكثرة التنقلات، جعلت الهجرة غير النظامية ومغادرة الفريق حلاً للاعبي الفريق الذين لا يجدون عملا بالمدينة”.

المفتاحي الذي يترأس الفريق منذ 12 سنة، ذك أن “ميزانية الفريق لا تتجاوز في أفضل المواسم 30 إلى 35 ألف دينار (10 إلى 11.5 ألف دولار)، والفريق العريق الذي تأسس رسميا في 1922 وفي 1917 بحسب وثيقة تركية، بات مهددا بالاضمحلال والحل في هذه الظروف”.

وتابع بقوله: “بين شهري يونيو، ونوفمبر من العام المنقضي، اختار 32 من لاعبي صنف الأكابر المُجازين، مغادرة النادي والهجرة بشكل غير نظامي عبر البحر (المتوسط) بحثا عن مستقبلهم الذي لا يمكن للفريق بإمكانياته المادية المتواضعة أن يضمنه لهم”.

وأشار إلى أن “الفريق بلغ في الموسم الماضي مرحلة الرهان على الصعود إلى الدرجة الثالثة، لكن بعد قرار جماعي من اللاعبين، وجدنا الفريق دون لاعبين حيث لم ينجح التعويل على لاعبي الأواسط في عدة مباريات”.

واستطرد: “بعد مغادرة أبرز عناصر الفريق الأول وإلى حدود الجولة السابعة ذهابا في الموسم الحالي بالدرجة الرابعة، عوّلنا على لاعبي الأواسط لكن الأمر لم ينجح وكانت النتائج سلبية، وكان القرار في شهر مارس الماضي بحلِ فريق الأكابر والاكتفاء بأصناف الأواسط والأصاغر والأداني”.

وقال رئيس الفريق التونسي: “فكرت في مغادرة الفريق في أكثر مناسبة، لكن لن أرمي المنديل، كل طلباتنا هي التفاتة من جامعة كرة القدم ووزارة الشباب والرياضة والسلطات المحلية بالجهة، بدعم الفريق الذي ينقذ شباب جهة معدومة التنمية من الانحراف، حيث تضم أكاديمية كرة القدم 300 لاعب بينهم، أكثر من 190 لاعبا مجازون بشكل رسمي”.

وزاد بقوله: “منذ بداية رئاستي الفريق سنة 2011 حتى الآن، هاجر البلاد نحو 150 من لاعبي جمعية غار الدماء أعمارهم بين 17 و22 عاما، وهو رقم يمكن التأكيد بأنه الأرفع بين مختلف فرق كرة القدم بالبلاد التي لم يقم مسؤولوها بأي تحرك لإيقاف وإنهاء هذه الظاهرة”

غياب التنمية والبحث عن تأمين المستقبل

من جهته، أكد المدرب السابق للفريق خالد الغربي، أن “قرار تعليق نشاط فريق الأكابر هو نتيجة محتومة ومنتظرة، وعديد الفريق يمكن أن تسير على نهج جمعية غار الدماء بسبب غياب الموارد المالية بشكل أساسي”.

ويرى “الغربي”، بأن “غياب التّنمية وعدم وجود شركات أو مصانع في المدينة، لا يترك الكثير من الحلول للشباب سواء كانوا من لاعبي الفريق أو غيرهم إلا المغامرة بحياتهم وقطع البحر للوصل إلى البلدان الأوروبية لبداية حياة جديدة وبناء مستقبلهم”.

وتابع بقوله: “كنت في الفريق لثلاث سنوات تقريبا، وهجرة اللاعبين بشكل غير نظامي أمرٌ يتكرر، والمسؤولون في الفريق لا حيلة لهم لوقف من يتخذ هذا القرار من اللاعبين، موارد الجمعية قليلة والمصاريف ترتفع من سنة إلى أخرى؛ حيث يتعين على الفريق توفير التجهيزات الرياضية ومنح المباريات وأجور المدربين واللّباس والتّنقل”.

واعتبر بأن “القائمين على الرياضة في تونس التعامل بجدية مع خصوصية الفرق الصغرى ومتطلباتها المالية، ولا يمكن اللّوم على اللاعبين باتخاذهم قرار الهجرة في الوقت الذي لا تتم فيه مراجعة قوانين الاحتراف وحتى ممارسة كرة القدم كهواية في تونس”.

واكتفى مسؤول بالاتحاد التونسي لكرة القدم -رفض عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح- في تعليقه على هذا القرار، بأن اتحاد الكرة لم يصله أي مكتوب رسمي من جمعية غار الدماء ما لا يمكن معه التفاعل في هذا الخصوص.

وذكرت مصادر مقربة من اللاعبين أن “عددا من لاعبي الفريق وصلوا إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا، حيث يعملون في مجال الزراعة وآخرون ينشطون في فرق بالأقسام السفلى لكرة القدم فيما انقطعت أخبار عدد آخر”.

غياب الدعم المالي

واعتبر المدرب الحالي للفريق ميلاد السديري، أن “خيبة الموسم الماضي التي وصل فيها الفريق للرهان على الصعود إلى الدرجة الثالثة وتغيير نظام الصعود من مواجهة بين فريقين اثنين إلى بطولة مصغرة بين أربع فرق، هي من بين أسباب هجرة اللاعبين”.

وأضاف السديري بقوله: “لم نستطع كإطار فني الحفاظ على لاعبي فريق الأكابر، وبدأ اللاعبون بالهجرة تواليا حتى وصلنا بداية السنة الحالية إلى عدم التمكن من جمع 18 لاعبا للمباريات الرسمية، وخسرنا بداية هذا الموسم ثلاث مباريات متتالية بالغياب، ما تسبب في تجميد نشاط الفريق الذي لم يتمكن من قيد لاعبين جدد في تلك الفترة”.

ويرى مدرب جمعية غار الدماء بأن “الكثير من الفرق قد تمر بما مررنا به في المستقبل، وخاصة أندية الفرق بسواحل البلاد، وعلى الدولة أن تتحرك وترصد دعما ماليا يبقي على شبابنا ويحول دون الهجرة غير النظامية”.

وأشار ميلاد السديري إلى أنه يحاول “ككثير من مسؤولي الفريق توفير مساعدة مالية بالتواصل مع أبناء المدينة القاطنين في فرنسا وبينهم نجم منتخب تونس المعتزل وهبي الخزري لاعب مونبيلييه الفرنسي، وأصلا من لاعبي غار الدماء، دون أن يُحصّلوا إلا وعودا لا غير”.

وبوتيرة شبه أسبوعية، تعلن تونس إحباط محاولات هجرة غير نظامية إلى سواحل أوروبا وضبط مئات المهاجرين، من تونس أو دول إفريقية أخرى.